عودة دراكولا إلى عصرنا الحديث

عودة دراكولا إلى عصرنا الحديث

ورد في الصحافة منذ عدة أيام خبر عن إطلاق مركز للتطعيم ضد فايروس كورونا (كوفيد-19) في قصر دراكولا المعروف أيضًا (قصر بران) الذي يقع في جبال الكربات في منطقة ترانسلفانيا في رومانيا، بالتزامن مع عودة السياحة والإقبال على زيارة القصر. أفراد الفريق الطبي الذين رسموا على وجوههم شكل أنياب مصاص الدماء، قدموا للزوار جرعات مجانية من لقاح فايزر، وتذكرة لدخول معرض القصر الذي يضم 52 أداة تعذيب من العصور الوسطى، حيث تعرض الناس للوخز قبل 500 عام في أوروبا.  

دراكولا .. اسمه فايروس

عندما قرأت خبر حملة التطعيم في قصر دراكولا، تذكرت مقال للكاتب المصري مصطفى محمود -رحمه الله-  بعنوان (دراكولا .. اسمه فايروس) في كتابه لغز الحياة. يتساءل الكاتب في مقاله عن عدة جوانب: هل الفايروس هو دراكولا العصر الحديث؟ وهل دراكولا شخصية أسطورية؟ أم أنه موجود بيننا ولكن على هيئة فايروس؟

المفارقة الغريبة هي التشابه والاختلاف بين الكونت دراكولا وفايروس كورونا في نفس الوقت، ولكن كيف؟

لم تكن الفايروسات معروفة عندما ظهرت الرواية كعمل أدبي تخيُلي، ولكن عين البصيرة ألهمت كاتب الرواية برام ستوكر، واستبصر الحقيقة الغائبة قبل اكتشافها علميًا، وأنسنها على شكل شخصية آدمية درامية بينما الفايروس كائن صغير جدًا، ولا يمكن رؤيته بالعين المجردة، ولكنه وحش حر طليق أعداده بالملايين.

إذا كان دراكولا يرتدي الوشاح الأسود وله أنياب كبيرة وحادة، فإن الفايروس عبارة عن مادة بروتينية ميتة، ويبدو تحت المجهر الإلكتروني على شكل بلورات نقية مثل بلورات ملح الطعام أو على شكل تكوين هندسي بلوري له زوائد بارزة، وأحيانًا تكون البلورات محاطة بكيس دهني له قرون متعددة. دراكولا يلمس بأنيابه عنق الضحية عندما تستلم؛ ليمتص دمها حتى آخر قطرة، والفايروس في لحظة ملامسته للخلية يحقن مادة جسمه في داخل الخلية الحية، تاركًا زوائده وغلافه في الخارج.

فهل الفايروس هو أحد أسلحة دراكولا التي تركها لنا في الحياة بعد أن مات في نهاية الرواية؛ ليثبت خلوده في ذاكرتنا إلى الأبد؟ إنه دراكولا الميت في تابوته، والعلم الحديث أثبت وجود دراكولا الميت الحي، الكائن اللغز، الفايروس.

دراكولا والخفاش

 أشارت أصابع الاتهام إلى حيوان الخفاش، واعتُبر المسبب الرئيسي لانتشار فايروس كورونا، مما دفع للتساؤل عن سر العلاقة بين الخفاش والفايروس. من الناحية العلمية فالسر وراء ذلك هو الجهاز المناعي للخفاش الذي يستقبل جميع أنواع الفايروسات، ثم ينقلها إلى الإنسان بعد أن تتكاثر في جسمه.

تتشابه شخصية دراكولا مع الخفاش في السلوك الليلي ولونه الأسود المريب. دراكولا الشخصية الأسطورية الذي ينام في تابوته؛ ليرقد في موات طوال النهار، ومع أول خيوط الليل يخرج للبحث عن ضحية آدمية، ويظل يتنقل مرة على هيئة رجل، ومرة على شكل خفاش أسود مخيف. ومع أول خيوط الفجر يعود بسرعة إلى تابوته. فخلال إجراءات الوقاية من المرض سُمح للأفراد بالحركة خلال النهار؛ لقضاء احتياجاتهم من الأسواق، وعند غروب الشمس تبدأ ساعات الحظر ويختبئ الجميع في منازلهم.

أليس هذا السلوك الذي فرضته الحكومات على الأفراد فيه إشارة ضمنية أن الخطر من الإصابة بفايروس كورونا سيكون ليلًا، كسلوك دراكولا الذي يبحث عن فرائسه في الظلام، أما النهار فيه الأمان من الإصابة؛ لأن دراكولا يختبئ من الضوء؟ خاصة مع تداول معلومة مضللة في بداية الجائحة مفادها أن حرارة أشعة الشمس، مع دخول فترة الصيف، سوف تقضي على الفايروس (بنشف وبموت)، ولم تكن هذه المعلومة دقيقة، ولم تحد أشعة الشمس من انتشار المرض

رواية دراكولا للكاتب برام ستوكر

برام ستوكر روائي أيرلندي ، نالت روايته دراكولا شهرة كبيرة في عالم أدب الإثارة والرعب. تحولت الرواية للإنتاج التلفزيوني والسينمائي والقصص المصورة. استوحى ستوكر راوية دراكولا من أساطير التاريخ القديمة عن مصاصي الدماء في مدينة ترانسلفانيا. اختار البطل شخصيات حقيقة هي الأمير فلاد دراكولا الذي حكم هنجاريا ورومانيا، والكونتيسة إليزابيث باثوري التي كانت تعيش في قصر بران.

تدور أحداث رواية دراكولا في قصر بران في أواخر القرن التاسع عشر، يرويها المحامي الشاب جوناثان هاركر في مذكراته، بعد عودته من مهمة رسمية للقاء الكونت دراكولا المقيم في القصر في ترانسلفانيا.

دراكولا حاضرًا بين أروقة قصره

لو قُدر لدراكولا أن يكون حيًا الآن، ويرى جموع الأفراد تأتي بكامل إرادتها إلى قصره؛ لأخذ مطعوم كورونا، وأن لا يعاني مشقة التجول بين أزقة الشوارع ليلًا؛ للبحث عن فريسة طازجة، فهل سيكون سعيدًا بفريسة سهلة وجاهزة؟ أم أن متعة دراكولا تكمن في عملية البحث عن الطريدة، وإغوائها لتقع بين براثنه؟

وما هو شعور الأشخاص الذين وقفوا في الطابور أمام قصر دراكولا، ينتظرون دورهم في أخذ اللُقاح، ألم تتوارد في أذهانهم خيالات دراكولا وهو يتجول بين أروقة القصر، ينظر إليهم بعيون دموية، ويطلق ضحكاته الشريرة ساخرًا منهم؟ لأنه حتى وإن لم يكن حاضرًا بجسده بينهم فقد ظهر الفايروس كجندي ينوب عنه؛ لتعذيب الناس على مر العصور، ولكن ليس بأنيابه ولكن بأنياب المرض والإبر والحُقن.

وما هو موقف الكاتب ستوكر عندما يرى ضحايا دراكولا تأتي مستسلمة إلى القصر، وكأنها مُخدرة أو ليست في وعيها؟ هنا أكيد سيتغير مجرى الرواية والحبكة؛ لتصبح عملًا أدبيًا جديدًا بنكهة مختلفة.

تساؤلات الأوركيدا

إذا افترضنا أن الفايروس مصنوع داخل المختبرات، أليس هذا دليل أن المصمم البيولوجي للفايروس كان مُولعًا بأدب الرعب والغموض، وجعل من الخفاش وسيلة لنقل المرض؛ حتى يحاكي شخصية دراكولا في الرواية، وكأنه يشير لنا من خلف أبواب المختبر، أن نعود لقراءة الرواية التي تحمل رسالة خفية، وهي أن جشع الطبقة الأرستقراطية التي يمثلها دراكولا لن يدوم مقابل الطبقة الوسطى التي يمثلها المحامي هاركر ومعاونيه. وأن فايروس كورونا سيكشف الكثير من حقائق وخبايا الناس؛ لتتعرى النفس البشرية أمام هشاشتها الداخلية بلا زيف أو خداع.

في نهاية الرواية ينجح البطل هاركر بعد خوض العديد من المغامرات المرعبة، والمطاردات التي تحبس الأنفاس في قتل الكونت دراكولا، وغرز وتد في قلبه وقطع رأسه وحشوه بالثوم؛ ليتحول جسده إلى الرماد. فيا تُرى هل هناك العديد من المغامرات التي سوف نخوضها مع فايروس كورونا قبل أن نقضي عليه؟ وهل من الممكن أن يصبح الثوم الذي أنهى حياة دراكولا في الرواية، هو الوسيلة الناجعة للقضاء على الفايروس؟  

اقترح على منظمة الصحة العالمية اطلاق مسابقة لكن ليست لعلماء البيولوجيا، وإنما للأدباء والروائيين وتشجيعهم على شحذ أقلامهم وإطلاق مخيلتهم إلى العنان؛ لكتابة حل سحري غير متوقع للقضاء على الفايروس، خاصة وأن الفلك يشهد وجود كوكب أورانوس في برج الثور، فأورانوس كوكب الاكتشافات العلمية والتكنولوجيا، كوكب المفاجآت والثورات.

إذا عدنا إلى فرضية أن فايروس كورونا مصنوع داخل المختبر، هل يمكن أن تكون الحرب البيولوجية القادمة مبنية على أفكار الأدباء وشطحات الروائيين في عالم الخيال؟ وتكون روايات وأدب الرعب والإثارة مصدر خطر على البشرية جمعاء، إن استمر الأدباء بإلهام علماء البيولوجيا بأفكار غريبة تتحول إلى حقيقة على أرض الواقع دون أن ندري، وذلك تحت مسمى (فايروسات أدبية)؟

 وهل يمكن أن نتوقع ظهور مرض جديد من وحي رواية الجحيم للروائي دان بروان الذي كتب أيضًا عن الفايروسات؟ أم أن العملية عكسية تقوم على تهيئة الناس بالمخططات القادمة للبشرية، عن طريق الأفكار المبثوثة في الرواية والأدب؟

روايات وأعمال أدبية تنبأت بأمراض بيولوجية على مر العصور.

ولماذا التفكير العقيم بأعداد السكان، والانفجار السكاني، والله سبحانه وتعالى هو الرازق لجميع مخلوقاته على وجه الأرض، بينما الإنسان الضعيف يفكر بآليات بيولوجية؛ لتقليل أعداد البشر وسلب حياة الناس.

حمى الله البشرية جمعاء .. وجعلنا من الناجين من أنياب دراكولا الكوروني.